lundi 15 février 2016

التّوجيه المدرسي في تونس بين النّصوص القانونيّة والممارسة الميدانيّة:



يقوم التّوجيه المدرسي في التّعليم الثّانوي على جملة من المبادئ حدّدها المنشور  المنظم لعملية التوجيه وهي:
-          تأمين مرافقة تربويّة للتلميذ تمكّنه من الحصول على إعلام شامل ومتنوّع واكتساب كفايات تساعده على اتّخاذ القرار.
-          اعتبار رغبة التلميذ عنصرا أساسيّا في توجيه التلاميذ حسب التخصّصات المدرسيّة المتاحة.
-          مراعاة مصلحة التلميذ عند اتّخاذ مجلس القسم لقرار التّوجيه.
-          اعتماد المرونة في التّوجيه وتمكين التلاميذ من الاعتراض على قرارات مجلس التّوجيه في كلّ المراحل.
-          مساعدة التلاميذ من قبل المستشار في التّوجيه أو الأستاذ المكلّف بالإعلام المدرسيّ على فهم الوثائق الإعلاميّة والبيانات المتعلّقة بالتّوجيه.
          ويضبط نفس المنشور شروط ومعايير التّوجيه وإعادة التّوجيه لتلاميذ المرحلة الثّانويّة بمراحلها الأولى والثّانية والثّالثة محدّدا القواعد العامّة المنظّمة لهذه العمليّة والّتي تجعل من اختيار التلميذ المعيار الأساسي في التّوجيه في إطار مشروعه الدّراسي. ويتمّ أخذ قرار التّوجيه في ضوء مؤهّلاته وملامحه كما تنصّ القواعد العامّة على اعتبار مجلس التّوجيه هيئة تداول وقرار مع دعوة أعضائه إلى التّشاور والاجتهاد في كلّ الوضعيّات وديدنهم في ذلك مصلحة التلميذ. ويمنح النصّ المنظّم لعمليّة التّوجيه حقّ الاعتراض للتلميذ على نتائج التّوجيه التّمهيدي أو النّهائي.
ويقوم التّوجيه على عدّة مراحل قابلة للمراجعة ضمانا لمصلحة التلميذ وتماشيا مع تطور مشروعه:
v   التّوجيه التّمهيدي: يعتبر التّوجيه التّمهيدي جزءا من عمليّة التّوجيه ويشمل كافة تلاميذ السنتين الأولى والثّانية من التّعليم الثّانوي مهما كانت نتائجهم في الثّلاثيتين الأولى والثّانية وتنعقد مجالس التّوجيه التّمهيدي خلال الأسبوع الأوّل من شهر ماي وفي متّسع من الوقت لدراسة وضعيّات التلاميذ حالة بحالة ويمكن للمجلس الاستئناس بنتائج التلاميذ خلال سنوات الدّراسة السّابقة وإثر تعليق نتائج هذه المرحلة يمكن للمعترضين من التلاميذ على التّوجيه المدرسي تعمير بطاقة مخصّصة للغرض تتولّى إدارة المعهد تجميعها وعرضها على أنظار المستشار في الإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي أو الأستاذ المكلّف بالتّوجيه لدراسة مدى وجاهتها بالنظر إلى مؤهّلات التلميذ وملامحه وتنظيم لقاءات بالتلاميذ المعنيّين لمساعدتهم على تبين إمكانيّاتهم الحقيقية والتعرّف إلى الشعبة أو المسالك الأنسب لكلّ منهم. وتكون هذه اللقاءات فردية أو جماعيّة كما يمكن أن يحضرها أولياء التلاميذ..
v   التّوجيه النّهائي: يلتئم مجلس التّوجيه إثر انعقاد مجالس الأقسام للنّظر في وضعيّة كلّ تلميذ بالرجوع إلى مساره الدّراسي وتطوّر نتائجه. وفي صورة عدم وجود اعتراض على مقترح التّوجيه التّمهيدي وغياب أيّ تغيير ملحوظ في نتائج الثّلاثي الأخير يقرّ المجلس مقترح التّوجيه التّمهيدي وبالنسبة إلى التلاميذ المعترضين على مقترح التّوجيه التّمهيدي أو الّذين تغيّرت نتائجهم وتقدّموا بمطالب في إعادة التّوجيه يتولّى المجلس دراسة ملفّاته حالة بحالة.
v   إعادة التّوجيه: وبعد أن يتمّ إشعار التلاميذ بنتائج آخر السّنة وبقرار التّوجيه ضمن بطاقة الأعداد الموجّهة إلى الأولياء يحقّ للتلميذ أن يتقدّم بمطلب في مراجعة قرار التّوجيه إلى إدارة المعهد في أجل لا يتجاوز النّصف الأوّل من شهر أوت وتتولّى إدارة المعهد تجميع كافة المطالب الواردة وإحالتها إلى الإدارة الجهويّة للتّربية مرجع النّظر في غضون الأسبوع الأخير من شهر أوت وتكلّف لجنة مختصّة للنّظر في مختلف المطالب قبل نهاية الأسبوع من شهر سبتمبر وتعتبر قراراتها نهائيّة.
v   معايير التّوجيه وإعادة التّوجيه:
حدّد المنشور جملة المعايير المحدّدة للتّوجيه في المستويات الثّانويّة الثّلاثة وهي السّنة الأولى والثّانية والثّالثة وقد أقرّت كشرط للتّوجيه بالنّسبة لتلاميذ السّنة الأولى ثانوي في مختلف المسالك رغبة التلميذ وعدم اعتراض مجلس التّوجيه مع تحديد المواد المرجع الّتي تؤخذ بالاعتبار في كلّ مسلك.
كما يخضع قرار التّوجيه في نهاية السّنة الثّانية من التّعليم الثّانوي إلى تأكيد مجلس التّوجيه لرغبة التلميذ مع ضبط المواد المرجع لكلّ مسلك. وذلك حسب ما ورد في المنشور المذكور.
وبالنسبة لإعادة التّوجيه في نهاية السّنة الثّانية في حالة الارتقاء فقد تمّ إقرار قائمة الشّعب الممكنة لكلّ مسلك أصليّ. وتبقى رغبة التلميذ وعدم اعتراض مجلس التّوجيه من الشروط الأساسيّة لإعادة التّوجيه. إمّا بالنّسبة لمعايير إعادة التّوجيه في حال الرّسوب بالسّنة الثّانية فتشمل قائمة المسالك المرغوب فيها كلاّ من العلوم والآداب والاقتصاد والخدمات وتكنولوجيا الإعلاميّة.
v   هيكلة التّعليم الثّانوي:
 في النّظام التّعليمي التّونسي يقع توجيه التلميذ في السّنة الأولى ثانوي إلى مسلك دراسيّ بعد أن يعبّر عن اختياره عبر بطاقة الرّغبات وبعد موافقة مجلس التّوجيه مع مراعاة رغبته وقدراته، ويحتوى التّعليم الثّانوي على أربع مسالك رئيسيّة وهي: العلوم، الآداب، التّكنولوجيا الإعلاميّة والاقتصاد والخدمات.
 أمّا في السّنة الثّانية ثانوي فيقع توجيه التلميذ إلى شعبة دراسيّة تشكّل في حدّ ذاتها اختصاصا دراسيّا وعلميّا[1] متفرّعا عن المسلك الأصليّ وهي:
-           في مسلك العلوم يوجّه التلميذ إلى أحد الشّعب التّالية وهي: شعبة الرّياضيات، شعبة العلوم التّقنيّة وشعبة العلوم التّجريبيّة المتفرّعة.
-           في الآداب يقع التّأكيد نحو شعبة الآداب.
-           في مسلك الاقتصاد والخدمات يقع التّأكيد نحو شعبة الاقتصاد والتصرّف.
-           في مسلك التّكنولوجيا الإعلاميّة يقع التّأكيد نحو شعبة العلوم الإعلاميّة.
وتدوم الدراسة في كل شعبة سنتين و تنتهي بالبكالوريا.
يتّضح ممّا تقدّم  أنّ النّصوص القانونيّة المنظّمة لعمليّة التّوجيه تؤكّد على ضرورة المرافقة الفرديّة للتلاميذ المقبلين على التّوجيه وتقديم إعلام ثريّ ومتنوّع بما يساعد التلميذ على بناء مشروعه الدّراسي والمهني. وهي بذلك تتبنّى المقاربة التّربوية في التّوجيه الّتي تعتمد على مبدأ التّوجيه المبني على المشروع.
إلاّ أنّ ملاحظة الممارسة المهنيّة للمستشارين في ظلّ الظّروف الحاليّة تبيّن أنّ مستشار التّوجيه يعتمد أكثر على تقديم الإعلام الجماعي بعيدا عن خدمات الإرشاد والمرافقة الفرديّة وذلك نظرا لكثرة إعداد التلاميذ و تنوّع   مهام المستشار من  جهة وغياب الاجراءات التنظيمية الكفيلة بتفعيل المقاربة التربوية في التوجيه جهة أخرى.
وما يمكن ملاحظته أيضا أنّه رغم تبنّي النّصوص الرسميّة للمقاربة الحديثة للتّوجيه القائمة على مفهوم المشروع الدّراسي والمهني للتلميذ والتّربية على الاختيار. إلاّ أنّ ما  يمارس في المؤسّسات المدرسيّة في مجال الإعلام والتّوجيه ما يزال تطغى عليه الطّرق التّقليديّة  والمتمثّلة
في تقديم إعلام جماعيّ يركّز أساسا على معلومات عامّة حول المسالك والمواد الدّراسيّة وضواربها (انظر دليل التّوجيه المدرسي لتلاميذ السّنة الأولى والثّانية ثانوي) ويفتقر إلى الثّراء والتّجدد ومواكبة المستجدّات في المجال التّكويني والمهني والاقتصادي. ولا يساعد على التعرّف على الذّات و قياس القدرات والميولات ولا يساعد على الاستعلام الذّاتي والتّخطيط للمستقبل والمساعدة في اتّخاذ القرارات المصيريّة.
ومن جهة أخرى، ما يزال تقييم التلاميذ يعتمد على أساليب غير موضوعيّة ومحدودة لا تساعد على الكشف عن قدراتهم وميولاتهم. حيث ما تزال الأعداد والنتائج المدرسيّة الّتي يتحصّل عليها التلميذ في المواد المرجع تعتمد كمعيار أساسي ووحيد  للتّوجيه في مجلس التّوجيه أو لجنة إعادة التّوجيه. وهو ما لا يمكّن التلاميذ من التعرّف على ذاتهم بطرق موضوعيّة.
وبناء على ذلك يبدو أنّ التطوّرات في التّشريع وفي النّصوص المنظّمة لعمليّة التّوجيه وسير عمل مجالس التّوجيه  لم يواكبه تطوّر على مستوى الممارسة الفعليّة.
2 . المستشارون في التوجيه: المهام و العراقيل:
 المستشار لغة هو الشّخص الّذي يعطي النّصائح في مجالات معيّنة. أمّا اصطلاحا فمستشار التّوجيه هو شخص مكلّف بالتّوجيه المدرسيّ والجامعيّ والمهنيّ يتمثّل دوره في نصح التلاميذ باختيار صحيح لمتابعة دراسة ما أو مهنة ما كما يساعدهم على التّخطيط للمسار المهني الّذي ينبغي أن يسلكه التلميذ تأسيسا على ملكاته وقدراته واستعداداته وميوله.
ويعتبر المستشار في الإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي في النّظام التّربوي التّونسي المسؤول الأوّل على سير مختلف عمليّات التّوجيه. وقد أحدثت  خطّة مرشد في الإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي[2] سنة 1993، حيث يرجع المرشدون في الإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي بالنّظر مباشرة إلى الإدارة الجهويّة للتّربية ويمكن تلخيص مهامهم في ما يلي:
 -إعلام التلاميذ وأوليائهم وإرشادهم حول النّظام التّربوي وشعب التّعليم الثاّنوي والآفاق الجامعيّة والمهنيّة المفتوحة أمام كلّ شعبة.
 -السّهر على حسن تطبيق التّراتيب الرسميّة المتعلّقة بالإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي.
 -تأطير المكلّفين بالتّوجيه المدرسي والجامعي داخل معاهد التّعليم الثّانوي.
- كلّ مهمّة أخرى يعهد بها إليهم.
 -العمل بمكاتب الإصغاء[3].
 -يشارك المستشار في الإعلام والتّوجيه[4] في مراجعة قرار التّوجيه في إطار لجنة على مستوى المندوبية الجهويّة للتّربية الراجع إليها بالنّظر[5].
 -يحضر مجالس التّوجيه التّمهيدي والنّهائي[6].
- مرافقة التلاميذ عند اتّخاذ قرار التّوجيه أو إعادة التّوجيه، حيث ورد في المنشور المنظّم لعمليّة التّوجيه "يؤمّن المستشارون في الإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي بالتّنسيق مع الأساتذة المكلّفين بالتّوجيه حصص مرافقة وإعلام لفائدة تلاميذ السّنوات الأولى والثّانية من التّعليم الثّانوي لتمكينهم من الكفايات الضروريّة المساعدة على حسن الاختيار وذلك وفق روزنامة تعدّ في الغرض".
نلاحظ أنّ أنشطة المستشار وصلاحيّاته ما فتئت تتوسّع شيئا فشيئا مع تواتر النّصوص القانونيّة الخاصّة بسلك المستشارين في التّوجيه وذلك تماشيا مع تعقّد متطلّبات العمليّة التّربويّة وتزايد الاختصاصات الدّراسيّة والجامعيّة والتغيّر المستمر لسوق الشّغل. كما تبرز النّصوص القانونيّة المحدّدة لمهام المستشارين أنّ مستشار التّوجيه المدرسي يمارس نشاطات متنوّعة ومختلفة تهدف بالأساس إلى إكساب التلاميذ كفايات ومهارات تساعدهم على اتّخاذ القرارات الصائبة في مجال التّوجيه.
لكن ملاحظة الممارسة اليوميّة وبعض التّقارير عن نشاط المستشارين تبيّن أنّ المستشارين يشكون من بعض الصّعوبات الّتي تعترضهم وتعرقل إلى حدّ ما فعاليّة أدائهم على أحسن وجه. ومن أهمّ تلك الصّعوبات والعراقيل نذكر:
-          عدم تخصيص وقت خاصّ بحصص الإعلام والتّوجيه المدرسي في الموازنات البيداغوجيّة للمعاهد ولا ضمن جداول أوقات التلاميذ. ممّا يحدّ من فعاليّة تدخّلات المستشارين في التّوجيه.
-          عدم تخصيص فضاءات بيداغوجيّة مجهّزة لممارسة النّشاطات البيداغوجيّة للمستشارين.
-          عدم تخصيص تجهيزات عمل مناسبة مثل القاعات المجهّزة بالإعلاميّة و أجهزة العرض...
-          امتداد الرقعة الجغرافيّة الّتي يعمل فيها المستشارون وضمّها لعدّة مؤسّسات ممّا يفرض عليه القيام بعدّة تنقّلات والتكيّف مع مواقف متنوّعة. حيث يضطرّ المستشار للعمل في أكثر من معهد ثانويّ ومع عدد هامّ من المدارس الإعداديّة في نفس الوقت. 
-          كثافة النّشاطات و تعدّد المستويات ممّا يؤدّي إلى تشتّت جهود المستشار ومحاولته الدّائمة في الموازنة بين الأداء النّوعي والكمّي.
-           قلّة الوسائل الماديّة وخضوعها لطبيعة العلاقات الشّخصيّة بين المستشار والإطراف الأخرى.
-          عدم إلمام الشّركاء بمكانة المستشار وأدواره المتنوّعة ممّا يحدّ من تجاوبهم معه وتقديرهم لأدواره.
-          عدم فعاليّة التّكوين المستمرّ أو غيابه في كثير من سنوات العمل بعد التخرّج.
هذه الصعوبات والعراقيل الّتي تعود في غالبها إلى حداثة منصب مستشار التّوجيه ونقص الموارد البشريّة تجعل من عمله محدود التّأثير.
ومن هنا فإنّ الإصلاحات الّتي طرأت على القوانين الجديدة حول التّوجيه المدرسي رغم أنّها حاولت ردّ الاعتبار لمهنة الإعلام والتّوجيه بتغيّر التّسمية السابقة (مرشد الإعلام والتّوجيه المدرسي والجامعي الّتي اعتبرها البعض محطّة ولا تعكس طبيعة العمل التّربوي الّذي يقومون به) إلى مستشار في التّوجيه المدرسي والجامعي. و إعادة النّظر في المهام المنوطة بعهدتهم وعدم اقتصارها على الإعلام. وإضافة أدوار جديدة والمتمثّلة أساسا في مرافقة التلاميذ خلال مسارهم الدّراسي ومساعدتهم في التعرّف على الذّات وبناء مشروعهم الشّخصي وفق رغباتهم و استعداداتهم. إلى جانب المشاركة في تقييم النتائج المدرسيّة والحضور في مجلس التّوجيه. غير أنّ هذه الإصلاحات الّتي طرأت على مهام المستشارين في التّوجيه المدرسي لم يصاحبها تغيّر في الطرق والأدوات الكفيلة لتحقيق هذه التوجّهات.
نبيل عبد الجواد
مستشار أول في التوجيه المدرسي و الجامعي.




[2]أمر عدد1469 لسنة 1993 مؤرخ في 5 جويلية 1993.
[3]منشور مشترك بين وزارات التربية و الصّحة و الشؤون الاجتماعية بتاريخ 7 أكتوبر 1999.
[4] أمر عدد2443 لسنة 2011 مؤرخ في 23 سبتمبر2011،استبدلت كلمة مرشد بكلمة مستشار".
[5]منشور صادر عن وزارة التربية في19جانفي 2012.
[6]منشور عدد 16/6/2014 صادر عن وزارة التربية في 28 فيفري 2014.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire